الأربعاء، 1 يونيو 2016

ملخص صغير عن النظام الاقتصادي العالمي البهائي بقلم سيفي سيفي


يتفضل حضرة عبد البهاء بما معناه: يضع الانسان القوانين ويسنها لرفاهيته ونعيمه، وليس لشنق نفسه بحبال أحكامها.
وهذا يعني أن القانون يبقى سارياً طالما فيه فائدة للناس، فمتى أمسى مضراً ومؤذياً للبشر، فلابد من السعي لتغييره بقانون آخر جديد فيه فائدة الناس.
وطالما يدّعي جميع رؤساء حكومات العالم أنهم لا يسعون إلا لخير شعوبهم ولا يرتقون مناصبهم ويجلسون على كراسي الوزارات إلا لهذا الغرض النبيل، لذلك فلن يستطيع أحد منهم التملص من قوانين وانظمة جديدة تدعو الى ذات الهدف بشكل أفضل، وإلا فسيتضح عياناً أن لهم أغراض خفية أخرى غير رفاهية شعوبهم، وسيجبرون على الموافقة في تطبيقها وهم صاغرون، وإلا فسينكشف أمر تآمرهم على شعوبهم.
من المؤكد أن تتعرض بنود النظام الاقتصادي البهائي العالمي الى الانتقاد والاتهام بالطوبائية والأحلام والأوهام واستحالة التحقق وما شابه ذلك من الاتهامات، كما قيل عن افلاطون ومدينته الفاضلة. فرغم صحة الفكرة الأفلاطونية، إلا أنها كانت سابقة لأوانها ، إذ لم يكن عقل الانسان قد نضج بعد بمستوى ما هو عليه اليوم في القرن الواحد والعشرين.
كما سيقف ضد تطبيق قانون الاقتصاد البهائي العالمي ويقوم على تشويه صورته، سراق قوت الشعوب وكبار اللصوص من ذوي الياقات البيضاء وأصحاب الثروات الحرام والشركات العالمية الكبرى ومن يعيش ويقتات على خراب الأوطان وقتل البشر وتأجيج الحروب وتشريد المساكين. وليس هؤلاء الكبار فقط، بل سيقف ضده أيضا، الكثير من بسطاء الناس المظلومين أنفسهم من أنصاف المثقفين وأشباه المتعلمين بعد ما فقدوا الثقة بجميع الحكام والرؤساء والأحزاب وأمضوا حياتهم تحت مطرقة مخالفة القانون العام والأمن القومي وسندان العقاب بالقتل أو السجن، وسيتعجب هؤلاء البسطاء المساكين من مثل هذا الحلم العالمي الذهبي ولن يتحملوا فكرة تحققه في الوقت الحاضر أو مستقبلا، وأقصى ما ستصل اليه كلمات تأييدهم، أنه ممكن التحقق بعد مئات السنين.
لكن إذا علمنا، أن كل ما نحن فيه من اختراعات وتقنية وأنظمة عالمية ودولية ووطنية في جميع مجالات الحياة، إنما كانت ذات يوم أمراً عدّ من قبل غالبية البشر مجرد أحلام وأوهام وطوباوية، وتعرضت تلك الأفكار البديعة الناضجة للسخرية والانتقاد والاعتراض، لكنها بفضل إصرار وجهود العلماء الخيرين، تحققت لاحقاً وأصبحت واقع حال وراحت كثير من شعوب الارض تتمتع بفوائدها وتعيش تحت وارف ظلال أنظمة فوائدها.
إن فكرة النظام الاقتصادي البهائي العالمي هي فكرة تقدمية مستقبلية مشرقة سيصل اليها البشر مهما طال بهم العناد والرفض عاجلاً ام آجلاً ، ومهما أطلق عليها المناوئين والمغرضين والمشككين شتى التهم التشويشية. وما سبب نجاحها المستقبلي، إلا لأنها تسعى وتبتغي الصالح العام، والمستفيد الأوحد من تطبيقها هو الانسان في كل مكان غنياً كان أم فقيراً، وتراهن على نباهة العقل البشري واستمرار تطوره وزيادة علومه ومعارفه كلما مرّ الزمان، وبالتالي لابد وان سيتوصل البشر الى استنباط أفكار لأنظمة جديدة تزيد من رفاهيته وتقلل من تعاسته. وللتأكد من ذلك، علينا الالتفات الى الماضي القريب والتأكد من حالة أرقى شعوب اليوم وكيف كانت في حالات اقتصادية مزرية يرثى لها قبل قرن من الزمان لا اكثر.
يعتمد الاقتصاد البهائي في أساسه على أن الانسان مخلوق رباني يعيش على هذه الارض فترة من الزمن ثم ينتقل الى العالم الآخر ليكمل حياته الروحانية. وعلى هذا الاساس لا يوجد فرق بين انسان يعيش في أية بقعة على سطح الارض وبين آخر يعيش في مختلف اتجاهاتها الأربع، وبذلك تعتبر الارض وما عليها وما في باطنها وتحت ثراها، ثروات طبيعية من حق جميع البشر على حد سواء التمتع بها، وليست حكراً على أمة أو شعب دون سواه.
ينصح حضرة بهاءالله لتأسيس نظام السلام العالمي ورفاهية الشعوب وسعادتها، انتخاب محكمة عدل دولية ينتخب أعضاؤها عالمياً من كبار علماء القانون المختصين من جميع شعوب الارض، كما ينصح أيضاً بانتخاب حكومة عالمية تتألف من كبار علماء وحكماء شعوب الأرض. وتجرى هذه الانتخابات بطريقة (حرة سرية نزيهة) تراقب بشدة من قبل لجان عالمية مختارة منعاً للتحايل والتزوير، كما ينصح بانتخاب مجلس عموم عالمي (برلمان) من جميع حكماء شعوب الارض، المشهود لهم بالعلم والحكمة والعقل الرزين، وتكون لهذه المؤسسات العالمية الثلاث اليد الطولى والسلطة العليا فوق سلطات الحكومات الوطنية والمحلية ولها القدرة الفعلية والقوة التنفيذية لفرض أوامرها على جميع الحكومات لتنفيذها؛ أما الحكومات الدكتاتورية المتمردة التي تبتغي التفرد بالسلطة وقيادة شعوبها بالقسر والقوة والظلم والاستعداد للاعتداء على أفراد شعبها وبقية الشعوب الأخرى وسرقة موارد الشعوب، فعلى جميع حكومات العالم وشعوبها الاتحاد والمشاركة على ارغامها على الموافقة.
يتدرج القانون الاقتصادي العالمي البهائي بخطوطه الرئيسية وعناوين أحكامه البارزة بالتطوير والتعديل في نقاطه التفصيلية لآراء علماء العالم من كبار الاقتصاديين مسايراً للتطور كلما تغيرت أحوال الشعوب، حيث تحدد كل حكومة ميزانيتها السنوية من مصاريف ونفقات تحت اشراف رجال اقتصاد محايدين مندوبين من قبل الحكومة العالمية ومن قبل الحكومة الوطنية لتنظيم ميزانيتها بدقة شديدة.
بعد موافقة الحكومة العالمية على ميزانية أي دولة، يدفع لها المبلغ المقرر المطلوب. فإذا كانت الدولة غنية ومواردها السنوية تغطي مصاريفها وتزيد، يؤخذ الفائض من وارداتها ليوضع في خزينة الحكومة العالمية. ومثل هذا الإجراء يسري على جميع دول العالم الغنية، وعندها سيكون هناك فائض كبير من الأموال في خزينة الحكومة العالمية تنفقه تحت أشراف اقتصاديين وخبراء دوليين على شعوب الدول الفقيرة كل حسب حاجتها وحسب ميزانيتها المتفق عليها من قبل خبراء الاقتصاد العالميين أيضا، وبهذا لن تتبقى شعوب غنية جدا وشعوب فقيرة جدا، حيث ستقل وتصغر الفجوة الهائلة بينها في المرحلة الأولى، ومن خلال التكرار في السنوات المستقبلية التالية، تتدرج الفروقات في الاختفاء ، وهكذا لن يتبق من يستطيع سرقة أموال الشعوب من وزراء وأمراء ليبنوا لهم قصوراً فخمة ويشتروا طيارات وسيارات ويخوت مطلية بالذهب الخالص ويبددوا ثروات شعوبهم على موائد القمار وتحت أقدام الحسناوات، بينما يعيش أبناء شعوبهم في شدة وفاقة لا يجدون كسرة الخبز لأطفالهم ولا دواء ولا كسوة ولا يستطيعون على تعليم أبنائهم وتجبرهم ظروف فاقتهم على سحب أبناءهم من المدارس لمساعدتهم في كسب لقمة العيش.
أما الثروات الطبيعية من بترول ومعادن ثمينة كالذهب والفضة والألماس والمياه وغير ذلك، فهي من حق جميع البشر حتى ولو كانت دفينة تحت حدود دولة من الدول أو فوق سطحها، فما لهذه الدولة (حكومة وشعب) سوى ما تقرره الحكومة العالمية من واردات حسب ميزانيتها السنوية المتفق عليها.
أما بالنسبة للمصروفات العامة، فمن المعلوم أن غالبية مصروفات الدول تذهب كمرتبات ومخصصات للجيش لشراء الاسلحة والعتاد والمستلزمات العسكرية والمنشآت النووية ولا يحصل عامة الشعب إلا على الفتات. لكن الديانة البهائية تأمر بإقامة مواثيق وعهود بين حكومات دول العالم بشروط قوية ملزمة لاقامة السلام العالمي، ومن يحاول نقضه، فعلى جميع حكومات العالم القيام مرة واحدة لردعه. وتنصح أحكام البهائية أيضا بتقليل أعداد الجيوش وتخفيض عدد أفرادها للحد الذي يكفي فقط لحماية حدودها، وتحذر ـ تحت رقابة الحكومة العالمية ـ من ازدياد عدد أفراد جيوش الدول فوق الحد المقرر وتفرض عقوبات صارمة على الحكومات المخالفة إذا حصل ذلك. وبهذا سيكون هناك فائض كبير من الثروات الوطنية ، إضافة الى توجه منتسبي الجيوش الى العمل المدني لبناء الوطن.
نقطة أخرى مهمة تساهم في تبديد ثروات الشعوب وزيادة تخلفهم ، وهي مسألة اختلاف عملات النقد الوطنية في العالم، حيث تقترح الديانة البهائية توحيد العملة النقدية في جميع دول العالم بعملة واحدة تتفق عليها دول العالم. وبذلك تنتهي انظمة البورصة وارتفاع وانخفاض قيمة العملة المحلية وخراب الأوطان الذي غالبا ما يكون من تخطيط الحكومات القوية حيث يستعمل سلاح البورصة للتهديد والضغط على الحكومات الصغيرة والفقيرة لتقبل تنفيذ شروط معينة مجحفة بحق شعوبها.
إضافة الى ذلك، يوجد حكم نظام الضرائب التصاعدية على أرباح الشركات والمؤسسات وموارد التجار لتصب في النهاية في صالح الفقراء حتى ينصفوا في إجورهم وجهودهم، فكلما زادت أرباح الأغنياء ازدادت معها نسبة الضرائب على أرباحهم مما يحد كثيرا من تنامي ثرواتهم.
كما تنصح البهائية بمشاركة العمال والموظفين في أرباح الشركات والمؤسسات ويجري ذلك باتفاق قانوني بين صاحب العمل والعمال ، وهذا يزيد من دخل العامل والموظف المادي ويقلل من اضراباتهم عن العمل والكف عن الاعتصامات التي توقف العمل بسبب مطالبتهم بزيادات الإجور والرواتب، وبذلك يزداد الانتاج وتتحسن نوعيته، ويجد العامل دافعا قوياً للاخلاص في العمل وزيادة الانتاج وتحسين نوعية البضاعة ، فلا يرتضي الغش في منتوجات مصنعه لأنه يعلم أن ذلك سيقلل من المنتوج والمبيعات مما يقلل من مردوده المادي، ويعلم أيضا أن الاخلاص في العمل وتحسين نوعية البضاعة، سيزيد من نسبة الأرباح ويصب في صالح العمال ويحسن من مستوى معيشة عوائلهم ويقلل في المقابل من ثروات رجال العمال.
كما أن البهائي مدعو لدفع (حقوق الله) على أرباحه السنوية وهي بمقدار 19% ليس بالاجبار، بل بالروحانية وشعوراً بحاجة الفقراء للمعونات والمساعدات الانسانية لوجه الله تعالى، وهذه النسبة تشكل مردودا إضافيا كبيراً يستفاد منه في تحسين أحوال الفقراء ويساهم في انتشار فائض الأموال لارتقاء الشعوب الفقيرة. اضافة الى ما يقدمه كل بهائي قدر استطاعته من ماله الخاص يدفع لصندوق الخيرية لمساعدة الفقراء وتحسين صورة الصالح العام.
أما بالنسبة للعمل، فالبهائية ترفع من مقام العمل الى حد العبادة وتمنع حالة التسول وتنصح بتأسيس مؤسسات لرعاية الفقراء والمعوزين ومن ليس له دخل شخصي ، ويقوم على ادارة هذا المؤسسات الأخيار من الناس من ذوي الذمم الخيّرة ينتخبون من قبل العامة باتفاق الآراء.
وتحث الديانة البهائية حكومات العالم على الاهتمام بالتعليم الجيد الهادف وتعليم الناس الصنائع والحرف وتعطي مقاما محترما للعلماء والمفكرين والمخترعين والمبدعين.
وهناك تفصيلات كثيرة أخرى لا يمكن مناقشتها او سردها كتابة على الفيس بوك.

بقلم سيفي سيفي





إرسال تعليق